فصل: باب مَا يَكُونُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَحَدِّ الْمَرْأَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَرَمَى الْعَجْلَانِيُّ امْرَأَتَهُ بِابْنِ عَمِّهِ أَوْ بِابْنِ عَمِّهَا شَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ وَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَآهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: فَالْتَعَنَ وَلَمْ يُحْضِرْ صلى الله عليه وسلم الْمَرْمِيَّ بِالْمَرْأَةِ فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا الْتَعَنَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الزَّوْجِ لَلَذِيَ قَذَفَهُ بِامْرَأَتِهِ حَدٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُ لَأَخَذَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَبَعَثَ إِلَى الْمَرْمِيِّ فَسَأَلَهُ، فَإِنْ أَقَرَّ حُدَّ، وَإِنْ أَنْكَرَ حُدَّ لَهُ الزَّوْجُ. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: وَسَأَلَ، النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا فَأَنْكَرَ فَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَلَمْ يَحُدَّهُ بِالْتِعَانِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَحُدَّ الْعَجْلَانِيَّ الْقَاذِفَ لَهُ بِاسْمِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ هَاهُنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ: قَالَ: رَمَى الْعَجْلَانِيُّ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: إِنَّ الْمُزَنِيَّ غَلَطَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا النَّقْلِ وَإِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ هُوَ الَّذِي قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ دُونَ الْعَجْلَانِيِّ، وَقَدْ حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ شَيْئَان:
أحدهما: أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا لَاعَنَ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْمَقْذُوفِ بِزَوْجَتِهِ سَوَاءٌ سَمَّاهُ فِي لِعَانِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، لِأَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ، وَلَمْ يُسَمِّهِ فِي لِعَانِهِ فَلَمْ يَحُدَّهُ لَهُ، وَلَوْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ لِأَعْلَمَ شَرِيكًا بِهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ إِنْ شَاءَ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ إِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْتِعَانِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُحَدُّ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَيْسَ فِي تَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِعْلَامَ شَرِيكٍ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ، لِأَنَّ شَرِيكًا قَدْ عَلِمَ بِالْحَالِ فَأَمْسَكَ وَلَمْ يُطَالِبْ، وَلِأَنَّ الْمَدِينَةَ مَعَ صِغَرِهَا وَقِلَّةِ أَهْلِهَا، وَاشْتِهَارِ لِعَانِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي قَذْفِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى شَرِيكٍ وَهُوَ حَاضِرٌ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْقَذْفِ، فَإِذَا عَلِمَ وَأَمْسَكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعْلَامُهُ، وَلَا اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ لَهُ. فَصْلٌ: أَمَّا الْمَقْصُودُ الثَّانِي بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اخْتِلَافِ النَّقْلِ فِيهَا، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: وَلَمْ يُحْضِرْ رَسُولُ اللَّهِ الْمَرْمِيَّ بِالْمَرْأَةِ. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ: وَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا فَأَنْكَرَ، فَصَارَ ظَاهِرُ هَذَا النَّقْلِ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ حَكَى أَنَّ شَرِيكًا لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ إِنَّهُ حَضَرَ وَسُئِلَ، وَإِثْبَاتُ الشَّيْءِ وَنَفْيُهُ مُتَنَافٍ مُسْتَحِيلٌ. وَعَنْ هَذَا جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا النَّقْلِ خِلَافٌ مُسْتَحِيلٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَمْ يُحْضِرْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا- يَعْنِي وَقْتَ اللِّعَانِ. وَقَوْلُهُ: وَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا، يَعْنِي وَقْتَ وَضْعِ الْوَلَدِ عَلَى شَبَهِهِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ فِي صِحَّةِ قَذْفِهِ فَلَمْ يُمْتَنَعْ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْتَحَلَّ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَوْ مِنْ كِتَابِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحْضِرْ شَرِيكًا وَلَا سَأَلَهُ. فَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْضَرَ شَرِيكًا، أَوْ حَضَرَ فَسَأَلَهُ فَأَنْكَرَ فَذَكَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَرْجِعْ عَمَّا أَخَذَهُ عَنِ الْوَاقِدِيِّ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِصِحَّةِ أَحَدِ النَّقْلَيْنِ، وَإِمَّا لِأَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقْلَيْنِ، وَإِمَّا لِسَهْوِهِ عَنِ الْأَوَّلِ لِتَشَاغُلِهِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَكَانَ هَذَا سَبَبَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ نَقْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَلَا تَجَسَّسُوا فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أُنَيْسًا إِلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ: «إِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ، فَإِنْ أَقَرَّتْ حُدَّتْ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا، وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاذِفُهَا زَوْجَهَا قَالَ وَلَمَّا كَانَ الْقَاذِفُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا الْتَعَنَ لَوْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ الْحَدُّ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَةِ الْمَقْذُوفِ مَعْنًى إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ لِيُحَدَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَقْذُوفَةَ وَاللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- أَعْلَمُ لِلْحَدِّ الَّذِي يَقَعُ لَهَا إِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا وَلَمْ يَلْتَعِنِ الزَّوْجُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَمِعَ قَذْفًا بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْقَاذِفُ وَلَا يَتَعَيَّنَ الْمَقْذُوفُ كَأَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: زَنَى رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِي، أَوْ زَنَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ، فَالْقَاذِفُ مُتَعَيَّنٌ وَالْمَقْذُوفُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِلْجَهْلِ بِمُسْتَحَقِّ الْحَدِّ، وَلَا يَسْأَلُ عَنْ تَعْيِينِ الْمَقْذُوفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْمَقْذُوفُ وَلَا يَتَعَيَّنَ الْقَاذِفُ. وَمِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا زَنَى، أَوْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: زَنَى فَلَانٌ، فَلَا حَدَّ عَلَى حَاكِي الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ، وَلَا يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَاذِفِ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ بِحَدٍّ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَوِ الْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَقْذُوفِ هَلْ زَنَى أَمْ لَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الْحُجُرَاتِ: 12] وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِهَزَّالٍ: هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَعَيَّنَ فِيهِ الْقَاذِفُ وَالْمَقْذُوفُ، كَقَوْلِ رَجُلٍ لِإِمَامٍ: زَنَى فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةٌ، فَيَكُونُ الْقَاذِفُ وَالْمَقْذُوفُ مُعَيَّنَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ لِإِمَامٍ أَنْ يَسْأَلَ الْمَقْذُوفَ هَلْ زَنَى أَمْ لَا؟ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَهَلْ يَلْزِمُ الْإِمَامَ إِعْلَامُ الْمَقْذُوفِ بِحَالِ قَذْفِهِ لِيُطَالِبَ قَاذِفَهُ بِحَدِّهِ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إِعْلَامُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ بِالْقَذْفِ حَقٌّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَزِمَ الْإِمَامَ حِفْظُهُ عَلَيْهِ بِإِعْلَامِهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ إِنْ شَاءَ كَمَا يَلْزَمُهُ إِعْلَامُهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْوَالِهِ، لِجَمْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ فِي قَوْلِهِ: «أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُنَيْسًا حِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا لِهَذَا، وَأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ، اغْدُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَكَانَ إِيفَادُ أُنَيْسٍ إِلَيْهَا لَا لِيَسْأَلَهَا عَنِ الزِّنَى: هَلْ زَنَتْ أَمْ لَا؟ وَلَكِنْ لِيُخْبِرَهَا بِحَالِ قَاذِفِهَا، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ وَطَلَبَتْ حَدَّهُ حُدَّ لَهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ وَاعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا حُدَّتْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِعْلَامُهُ، لِأَنَّهَا حُدُودٌ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَنْبُ الْمُؤْمِنِ حِمًى». وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: إِنَّهُ أَنْ يُعَدِّيَ قَذْفَ الْغَائِبِ إِلَى قَذْفِ حَاضِرٍ مُطَالِبٍ كَرَجُلٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ سَمَّاهُ فَلَاعَنَ الزَّوْجُ مِنْهَا، لَمْ يَلْزَمِ الْإِمَامَ إِعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ يُسْقِطُ مِنَ الْقَذْفِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعْلِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا حِينَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَذْفُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِزِنَاهَا بِهِ فَحَضَرَ أَحَدُهُمَا مُطَالِبًا بِالْحَدِّ لَمْ يَلْزَمِ الْإِمَامَ إِعْلَامُ الْآخَرِ، لِأَنَّ الْحَاضِرَ إِذَا اسْتَوْفَى الْحَدَّ فَهُوَ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الْغَائِبِ، لِأَنَّ فِي زَوَالِ الْمَعَرَّةِ عَنْ أَحَدِهِمَا بِالْحَدِّ فِي قَذْفِهِمَا زَوَالًا لِلْمَعَرَّةِ عَنْهُمَا، لِأَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ قَذْفُ الْغَائِبِ بِحَاضِرٍ فَيُطَالِبُ، وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ إِعْلَامُ الْغَائِبِ لِيَسْتَوْفِيَ بِالْمُطَالَبَةِ حَقَّهُ إِنْ شَاءَ كَمَا أَوْفَدَ أُنَيْسًا إِلَى الْمَرْأَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأْيُّ الزَّوْجَيْنِ كَانَ أَعْجَمِيًّا الْتَعَنَ بِلِسَانِهِ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْقَذْفُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ لِمَنْ يَعْرِفُهَا، فَكَالْقَذْفِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا، فَأَمَّا اللِّعَانُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ لِعَانُهُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينًا أَوْ شَهَادَةً وَكِلَاهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ نُظِرَ فِي أَصْلِ لِسَانِهِ وَعُمُومِ كَلَامِهِ؛ فَإِنْ كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ وَالْكَلَامِ وَهُوَ يَعْرِفُ الْأَعْجَمِيَّةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللِّعَانَ مَحْمُولُ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْقُرْآنُ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بِلِسَانِهِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْعَرَبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ فِي عُدُولِ الْعَرَبِيِّ عَنْ لِسَانِهِ اسْتِرَابَةً تَضْمَنُ احْتِمَالًا يَمْنَعُ مِنْ تَغْلِيظِ اللِّعَانِ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُ لِسَانِهِ أَعْجَمِيًّا وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ وَجْهَان:
أحدهما:- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ- لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ فِي اللِّعَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ اعْتِبَارًا بِزَوَالِ الِاسْتِرَابَةِ مِنْ مِثْلِهِ فِي جَرْيِهِ عَلَى عَادَةِ لِسَانِهِ.
فصل: فَإِنْ أَرَادَ الْحَاكِمُ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَ الْأَعْجَمِيَّيْنِ بِالْأَعْجَمِيَّةِ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلِسَانِهِمَا أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ، فَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِلِسَانِهِمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تُرْجُمَانٍ وَجَعَلَ الْحَاضِرِينَ لِلِعَانِهِمَا مَنْ يَعْرِفُونَ الْأَعْجَمِيَّةَ، أَوْ يَكُونُ فِيهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا الْعَدَدُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُمَا احْتَاجَ إِلَى تُرْجُمَانٍ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّرْجَمَةِ هَلْ تَكُونُ خَبَرًا أَوْ شَهَادَةً؟. فَجَعَلَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ خَبَرًا وَاعْتَمَدَ فِيهَا عَلَى تَرْجَمَةِ الْوَاحِدِ كَالْأَخْبَارِ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَهَادَةٌ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُتَرْجِمِ فِيمَا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا مِنَ الْمُتَرْجِمِ فَصَارَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةً بِإِقْرَارٍ، فَاقْتَضَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ الشَّهَادَاتِ، وَسَنَسْتَوْفِي الْكَلَامَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. فَصْلٌ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ شَهَادَةٌ فَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي لِعَانٍ قَدْ يَجْرِي عَلَيْهِ بَعْضُ أَحْكَامِ الزِّنَا، وَالشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا مُعْتَبَرَةٌ بِمَا تَضَمَّنَهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا لَمْ تَثْبُتْ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا كَمَا تُوجِبُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا أَغْلَظُ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلِهِ إِذَا لَمْ تَكْمُلْ أَوْجَبَتْ حَدَّ الْقَذْفِ وَعَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُوجِبُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالتَّرْجَمَةُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدُ الشُّهُودِ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدُ الشُّهُودِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا: أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ فِيهِمْ عَدَدُ الْإِقْرَارِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَضَمَّنَ اللِّعَانُ إِقْرَارًا بِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَرْبَعَةً وَفِي الثَّانِي شَاهِدَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِمْ عَدَدُ الْإِقْرَارِ بِغَيْرِ الزِّنَا فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَقَرَّ بِالزِّنَا، فَإِنَّ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا اعْتُبِرَ حِينَئِذٍ فِي إِقْرَارِهِ شَهَادَةُ الْمُقِرِّ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَرْبَعَةً عَلَى الِاخْتِيَارِ دُونَ الْوُجُوبِ، أَوْ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْحُضُورِ دُونَ الْمُتَرْجِمِينَ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ الْتَعَنَ بِالْإِشَارَةِ وَإِنِ انْطَلَقَ لِسَانُهُ بَعْدَ الْخَرَسِ لَمْ يُعِدْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي لِعَانِ الْأَخْرَسِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا وَمَنْعَهُ مِنْ لِعَانِ الْأَخْرَسِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ، فَلَوْ لَاعَنَ الْأَخْرَسُ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ انْطَلَقَ لِسَانُهُ لَمْ يُعِدِ اللِّعَانَ وَأَجْزَأَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: ثُمَّ تُقَامُ الْمَرْأَةُ فَتَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ زَوْجِيَ فُلَانًا- وَتُشِيرُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا- لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا صِفَةِ اللِّعَانِ فِي الْمَرْأَةِ ثُمَّ تَعُودُ حَتَّى تَقُولَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا فَرَغَتْ وَقَّفَهَا الْإِمَامُ وَذَكَّرَهَا اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ: احْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تَكُونِي صَادِقَةً فِي أَيْمَانِكِ، فَإِنْ رَآهَا تُفْضِي وَحَضَرَتْهَا امْرَأَةٌ أَمَرَهَا أَنْ تَضَعَ يَدَهَا عَلَى فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهَا وَرَآهَا تَمْضِي قَالَ لَهَا: قُولِي وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَغَتْ. قَالَ: وَإِنَّمَا أَمَرْتُ بِوَقْفِهِمَا وَتَذْكِيرِهِمَا اللَّهَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حَكَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا حِينَ لَاعَنَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ فِي الْخَامِسَةِ وَقَالَ: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ صِفَةِ اللِّعَانِ فِي الْمَرْأَةِ بَعْدَ لِعَانِ الرَّجُلِ وَاسْتَوْفَيْنَا حُكْمَهُ بِمَا أَغْنَى.
مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَاتِ أَرْبَعًا ثَمَّ فَصَلَ بَيْنَهُنَّ بِاللَّعْنَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْغَضَبِ فِي الْمَرْأَةِ دَلَّ عَلَى حَالِ افْتِرَاقِ اللِّعَانِ وَالشَّهَادَاتِ، وَأَنَّ اللَّعْنَةَ وَالْغَضَبَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مُوجِبَانِ عَلَى مَنْ أُوجِبَا عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ ثُمَّ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاللَّهِ بَاطِلًا ثَمَّ يَزِيدُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَلْتَعِنَ وَعَلَى أَنْ يَدْعُوَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا عَرَفَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَهِلَا أَنْ يَقِفَهُمَا نَظَرًا لَهُمَا بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِمَّا أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي إِثْبَاتِ اللِّعَانِ هل يكون يمينا أو شهادة؟. يَمِينًا حِينَ جَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ شَهَادَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا أَقْنَعَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-.

.باب مَا يَكُونُ بَعْدَ الْتِعَانِ الزَّوْجِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَحَدِّ الْمَرْأَةِ:

مِنْ كِتَابَيْنِ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذَا أَكْمَلَ الزَّوْجُ الشَّهَادَةَ وَالِالْتِعَانَ فَقَدْ زَالَ فِرَاشُ امْرَأَتِهِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا بِحَالٍ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ الْتَعَنَتْ أَوْ لَمْ تَلْتَعْنَ، وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تُكَذِّبَ نَفْسَكَ وَقَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَلَمَّا قَالَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَكَانَتْ فِرَاشًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ عَنِ الْفِرَاشِ إِلَّا بِأَنْ يَزُولَ الْفِرَاشُ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ أَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَإِنَّ نَفْيَهُ عَنْهُ بِيَمِينِهِ بِالْتِعَانِهِ لَا بِيَمِينِ الْمَرْأَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ بِنَفْيِهِ، وَمَعْقُولٌ فِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَجُلِدَ الْحَدَّ إِذْ لَا مَعْنَى لِلْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّ الْمَعْنَى لِلزَّوْجِ فِيمَا وُصِفَتْ مِنْ نَفْيِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ لَهَا مَعْنًى فِي يَمِينِ الزَّوْجِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَإِلْحَاقِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَنَ الْأُمَّ لَوْ قَالَتْ: لَيْسَ هُوَ مِنْكَ إِنَّمَا اسْتَعَرْتُهُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا شَيْئًا إِذَا عُرِفَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ إِلَّا بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ دُونَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هُوَ ابْنِي، وَقَالَتْ: بَلْ زَنَيْتُ فَهُوَ مِنْ زِنًا كَانَ ابْنُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ إِلَيْهِ دُونَ أُمِّهِ، فَكَذَلِكَ نَفْيُهُ بِالْتِعَانِهِ دُونَ أُمِّهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَصَدَ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْكَلَامَ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَحْكَامَ اللِّعَانِ مُخْتَصَّةٌ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ.